في ذكرى فاطِمة

“I don’t miss doing things with Lisa, I miss doing nothing with Lisa”

أفقد أختي التي تكبرني ببضع سنوات، فرع من شجرة هذه العائلة الصغيرة التي تعيشني وأعيشها. أنهكها المرض في أخر سنواتها وكانت من ضحايا من تغيرات حياتنا بسببه حتى انتحل جسدها وضاقت بها هذه الدنيا.

لا أفهم ما الذي يجول في خاطري. بعد الموت الذكريات لها طعم مختلف من الحنين، كلنا سنموت وهذه الحقيقة التي نعلمها ولا مفر منها، لكن ألم الفراق لا ينفك حاضراً في كل لحظة نفقد فيها أحد فروع هذه الشجرة أو جزء من بستان الحياة. ذكرياتك مع من تحب و أحببت، في تفاصيلها الصغير، من النوم، الأكل، طريقة الكلام، المشي وحتى البسمة، تطفي شوقا على قلبك.

تعطلت كليتها قبل سنوات. كنا رفقاء لها في هذه المسيرة، لم نكن نستطيع المساعدة إلا بهذا القدر، ذكرياتها في مستشفيات عدة، إذا حلت في مكان، ترسم البسمة على الذين من حولها، كادر المشفى، الأطباء، العاملات .. كلٌ منا له نصيب من الفرح عندما تحل فاطِمة.

“صوريني إذا مُت تتذكريني”. دخلت المشفى في نهاية السنة الماضية، عندما بدأت حالتها في الانحدار، تحث والدتي بالتقاط الصور لها من أجل الذكرى إذ أنها ذاهبة إلى البعيد. لا تنفك عن إضحاكنا في كل مرة نزوها فيها، وتطلبنا بأن نتصل على الأقرباء تتحدث لهم وتطمئنهم أنها بخير ما داموا بخير.

في غرفة الإنعاش. كانت أحاول طمأنتها، كل شيء بخير، سنجتاز هذه المحنة مثل غيرها، في السرير المقابل شاب ينازع الحياة ووالدته معه، بدأت بالعويل عندما بدأ ينازع الموت، أقبض على يد أختي ولا أنفك أصبرها. تدمع عيناها وكأنها تقول بأن الدور قادم لها.

قبل وفاتها بأسبوع، ذهبت مع والدتي التي كانت في حالة من الهلع، أبلغنا الدكتور أن حالتها انتكست. توقف نبضها ولكنهم تمكنوا من استعادته، عند رؤيتها كانت ما بين السماء والأرض، جميع أحاسيسها تركزت ما بين اليد والأذن، كانت توصل رسالة أنها تنتظر أخي الأكبر الذي أضطر بسبب عمله أن يغيب شهر، كانت تنتظره قبل أن تودعنا.

فاضت روحها صباحاً. يتصل عمي يبلغني أن أبلغ والدتي بالخبر، كيف ذلك، ماذا أقول وكيف أقول، توارا لي مشهد عندما أبلغت أحد عماتي قبل ١٥ سنة بأن ابن اختها توفاه الله وكانت ردت الفعل هستيرية. هل سأشهد هذا المشهد مرة أخرى، كيف أزف هذا الخبر لوالدتي شديدة التعلق بها، هل سأوصم بأنني حامل الأخبار السيئة؟ احتضنتها والعبرة تخنق نفسي ليبدأ مسلسل الحزن.

يصنفها “الناس” بأنها من ذوي الاحتياجات. تقول والدتي أن أحدهم قال “عورة وانسترت” تعليقاً على وفاة اختي! وكأن الحياة ملك لهم ولا حق في العيش إلا لهم، كيف يواسي أحد بجاهلية؟ كيف يتصور البعض أن الحياة تستلزم العيش كما يروه هم لا حق مشاع للجميع، كانت أختي تفوقهم في العقل والحنان.

أكتب

“كل الأيام فاطِمة”
ـــــــــ
١٧/١٠/٢٠١٥ ــــــ. كانت سبع سنين عجاف عليها، ودمها يغسل مرة بعد مرة، تتسأل، كيف يُغسل دمٌ لم تلوثه هذه الدنيا ..
ـــــــــ
كانت تنتظرهُ هُناك..
أن يرجع من البعيد ويقبل يديها..
“ما الذي أخرك عن الموت؟ تأخُره” ..
توقف قلبها للحظات واستعادوا النبض ..
تَرنُو إليهِ قبل الرحيل.
ـــــــــ
هنا/ك، جسدك المسجى،
نتأمل قضاء الله في اختيارك ..
هنا/ك … “الموتى نيام هادئون” ..
ـــــــــ
“يتطلب الأمر شجاعة كي يتأمل المرء موته”.. لكن نتساءل، كيف بمن أبتلي في هذه الحياة وخرج منها بصفحاتٍ بيض ممزوجةٌ بحُب من حوله ..
ـــــــــ
فاطِمة ،،، لروحك السلام وعليك السلام